يقول: "وقد وضع ابن المرزبان كتاب: تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب "، وقد ذكر فيه أشياء لا يمكن أن تخطر على بال أحد، فقد ألف ابن المرزبان كتاباً أسماه: تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب، وما درى ابن مرزبان أنه سيأتي الروس والإنجليز والأمريكان -بالذات- فيفضلون الكلاب تفضيلاً قانونياً على الإنسان.. يموت الفرد فيوقف تركة ضخمة على أحد الكلاب، وتوضع له مقبرة خاصة، ومستشفيات ومصحات خاصة، والعالم من حولهم يموت جوعاً، ويكفي أن في نيويورك وحدها قرابة (40ألف) متشرد لا مأوى لهم ولا سكن، في حالة أحط من البهائم...
يقول: "وقد جاء في ذلك من المأثور ما لا نستطيع إحصاءه، مثل ما في مسند أحمد : {رب مركوبة أكثر ذكراً من راكبها}. وفضل البهائم عليهم من وجوه:
أحدها: أن البهيمة لا سبيل لها إلى كمال وصلاح أكثر مما تصنعه، والإنسان له سبيل لذلك، فإذا لم يبلغ صلاحه وكماله الذي خلق له؛ بان نقصه وخسرانه من هذا الوجه"، أي: أن البهيمة لها حدّ لا يمكن أن تتعداه.
وهذا من الردود العلمية الواضحة على الداروينية وأشباهها القائلين بالمفاضلة بين الإنسان والحيوان، أو أن الإنسان كان حيواناً ثم تطور، وكما قال جوليان هكسلي : "يمكن أن ترتقي القطة أو الفأر أو الضفدع لتكون سيد المخلوقات محل الإنسان" هذا غير ممكن لأنه من المشاهد المعروف أن أذكى الحيوانات وأكثرها فطنة أو دهاءً كالثعلب أو الدب أو القرد لم يطور نفسه خلال القرون الطويلة على الإطلاق، فإن الثعلب مثلاً يحفر نفقاً ليسكن فيه مثلما كان يحفر أجداده من الثعالب، والقرد يسكن اليوم حيث يسكن أجداده قبل آلاف السنين، ولم يفكر في أي شيء تطويري أبداً؛ لأنه محدود عند حد معين لا يمكن أن يتعداه، أما الإنسان فأمر مقطوع به، الإنسان في أي زمان وفي أي مكان يفكر دائماً في أن يحسن ويطور أوضاعه، فتجده أول الأمر سكن في بيت مغلق، ثم بعد فترة وضع له نافذة، ثم يعلق فيه شيئاً، ثم يرسم جداره رسوماً حتى لو كان المسكن كهفاً، وكان يركب الدواب، ثم تطور فأصبح يركب السفينة، ثم تطور واخترع الطائرة، ثم هو الآن يغزو الفضاء.
فالفرق بين الإنسان والحيوان كبير وأساسي!
والمقصودون بالكلام السابق هم الذين لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون, نقول لهم: انظروا إلى الإنسان والحيوان في أي مكان، فالأخير له حد لا يتعداه.
"وثانيها: أن البهائم لها أهواء وشهوات بحسب إحساسها وشعورها، ولم تؤت تمييزاً وفرقاناً بين ما ينفعها ويضرها، والإنسان قد أوتي ذلك، وهذا الذي يقال: الملائكة لهم عقول بلا شهوات، والبهائم لها شهوات بلا عقول، والإنسان له شهوات وعقل، فمن غلب عقله شهوته فهو أفضل من الملائكة أو مثل الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فالبهائم خير منه.
وثالثها: أن هؤلاء لهم العقاب والنكال والخزي على ما يأتونه من الأعمال الخبيثة" أي: أن بني آدم إذا انحطوا وتركوا أمر الله فهم شر من البهائم، لأنهم يعاقبون، فلهم الخزي والعار والعقوبة، والبهائم غير مؤاخذة ولو أخطأت أو سرقت؛ لأنها بهائم.
قال: "فهذا يقتل، وهذا يعاقب، وهذا يعذب ويحبس. هذا في العقوبات المشروعة. وأما العقوبات المقدرة فقوم أغرقوا، وقوم أهلكوا بأنواع العذاب، وقوم ابتلوا بالملوك الجائرة: تحريقاً وتغريقاً، وتمثيلاً وخنقاً، وعمى، والبهائم في أمان من ذلك" حتى من الابتلاءات الكونية القدرية؛ فيبتلى الناس بملوك الجور وحكام الظلم من أمثال: عبد الناصر، وشاوسكو، غورباتشوف . فهذه عقوبات من الله سبحانه وتعالى يسلطها على الشعوب إذا عصته.
إن هذه العقوبات الربانية متكررة لكل عاص، ويظن بعض الناس أن الداء والمصيبة في هؤلاء فقط، وأنهم لو ذهبوا أو تغير النظام لصلحت الأمور، وليس كذلك، فسيأتي بعدهم من هو مثلهم حتى نتوب إلى الله، وقد قال الحسن البصري رحمه الله للقراء لما سألوه عن الخروج على الحجاج : [[لا يا أهل البصرة ! إن الحجاج عذاب من الله سلطه عليكم بذنوبكم، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم وأرجلكم، بل توبوا إليه واستغفروه وتضرعوا إليه، فإن الله يقول: ((وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ))[المؤمنون:76]]] أي: تضرعوا إلى الله وتوبوا إليه يرفع ذلك عنكم، لأن الأمة الفاسقة يسلط الله عليها الظلمة، كما قال تعالى: ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ))[الزخرف:54].
"والبهائم في أمان من ذلك.
ورابعها: أن لفسقة الجن والإنس في الآخرة من الأهوال والنار والعذاب والأغلال وغير ذلك ما أمنت منه البهائم"، ولهذا إذا قيل للبهائم يوم القيامة: كوني تراباً، تمنى الكافر أن يقال له معها: كن تراباً.
ويوم يود الظالمين لو انهم            على دربنا ضرب من الحشـرات
قال: "وخامسها: أن البهائم جميعها مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، مسبحة بحمده، قانتة له": ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ))[الإسراء:44] "وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنه ليس على وجه الأرض شيء إلا ويعلم أني رسول الله، إلا فسقة الجن والإنس!}" وفي حديث آخر: {إنه ما من يوم تشرق شمسه إلا وكل شيء يسبح الله تبارك وتعالى، إلا المردة من الجن والأغبياء من بني آدم} فكل يوم تطلع فيه الشمس فإنه يسبح الله كل شيء إلا مردة الشياطين الذين لا خير يرجى فيهم، والأغبياء من بني آدم، كمن يسهرون على المحرمات إلى قبيل الفجر ثم ينامون إلى قبيل الظهر، أو إلى ما بعد ذلك، وسموا أغبياء؛ لأن البهائم والطيور قامت وسبحت، وكل ما تحرك ودب في الكون يذكر الله، أما هم فأغبياء نيام، وإن كان بعضهم يدعي أنه صاحب عقل أو فكر.
إذاً: هذه هي المسألة الأولى التي يقال: هل كل فرد من بني آدم أفضل من كل فرد من الملائكة؟!